فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في إشارات الإعجاز:
{يُخادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ بِمَا كانُوا يَكْذِبُونَ}.
اعلم! أن وجه النظم: إشارات جملها: إلى التوبيخ على النفاق.. ثم تشنيعه.. ثم تقبيحهم.. ثم التهديد عليه.. ثم ترهيبهم.. ثم التعجب منهم.. ثم بيان مقصدهم من قولهم المذكور... ثم بيان علة قولهم.. ثم بيان أول الجنايات الأربع الناشئة من النفاق وهي الخداع، والإفساد، وتسفيه المؤمنين، والاستهزاء بهم.. ثم تمثيل جناياتهم وحيلهم باسلوب استعارة تمثيلية هكذا: بأن صوّر معاملتهم مع أحكام الله تعالى ومع النبي عليه السلام والمؤمنين- باظهارهم الإيمان لأغراض دنيوية مع تبطّن الكفر، ومعاملة الله والنبي والمؤمنين معهم باجراء أحكام المؤمنين عليهم استدراجا، مع أنهم أخبث الكفرة عند الله- بصورة خداع شخصين، أو الصياد مع الصيد الذي يحس الصياد بالخروج عن القاصعاء ثم يفر من النافقاء.
أما نظم جمل الجناية الأولى من {يخادعون} إلى {بما كانوا يكذبون} فانظر إلى ما تضمنت من النتائج المتسلسلة المترتبة في الجمل السبع، وهي: تحميقهم بطلب المحال.. ثم تسفيههم باضرار أنفسهم بنية المنفعة.. ثم تجهيلهم بعدم التمييز بين الضر والنفع.. ثم ترذيلهم بخبث الطينة ومرض معدن الصحة وموت منبع الحياة.. ثم تذليلهم بتزييد المرض في طلب الشفاء.. ثم تهديدهم بألم محض يولد ألمًا صرفًا.. ثم تشهيرهم بين الناس بأقبح العلامات أعني الكذب.
وأما اتساقُ وانتظام تلك الجمل السبع وانصباب الحكم فيما بينها فهو: أنك كما إذا اردت زجر واحد عن شيء ونصحه تقول له أولًا: يا هذا! أن كان لك عقل فهذا محال.. ثم: أن كنت تحب نفسك فهذا يضرها.. ثم: أن كان لك حسّ فلِمَ لاتميز بين الضر والنفع؟ ثم: إن لم يكن لك اختيار فلا اقل من أن تعرف فساد سجيتك، وفيها مرض يحرِّف الحقيقة، ويريك الحلو مرًا.. ثم: إن تطلب الشفاء فهذا يزيد مرضك ولا يشفي، مثلك كمثل من ابتلى بداء السهر فاجتهد في النوم فانتج له قلقا طيّر نعاسه أيضا، أو كمن أصيب قلبه بداء المرق فاغتمّ لوجود المصيبة حتى صير المصيبة مصيبتين.. ثم: إن تتحرَّ اللذة فهذا فيه ألم شديد ينتج ألمًا أشد ليس كأمثاله التي فيها لذة مزخرفة.. ثم: إن لم تنتبه ولم تنزجر لا يبقى إلا أن يوسمَ على خرطومك بوسم قبيح، وتُعلَن بين الناس لمنع سراية فسادك إلى الناس؛ كذلك إن الله تعالى قال لزجر المنافقين {يخادعون الله} بدل يخادعون النبيّ لتحميقهم، أي: كيف يخادعون النبيّ عليه السلام والنبيّ مبلِّغ عن الله تعالى، فحيلتهم راجعة إلى الله، والاحتيال مع الله تعالى محال، وطلب المحال حمق. ومثل هذا الحمق مما يُتعجب منه.. ثم اتبعه {وما يخدعون إلا أنفسهم} لتسفيههم، أي: ليس في فعلكم نفع بل فيه ضرر، وضرره يعود على أنفسكم، فكأنكم تخادعون أنفسكم.. ثم عقّبه {وما يشعرون} لتجهيلهم أي: أيّها الجهلاء! قد صرتم أضلّ من الحيوان، كالاحجار الجامدة لاتحسون بالفرق بين الضر والنفع.. ثم اردفه {في قلوبهم مرض} لترذيلهم بانفساد الجوهر، أي: إن لم يكن لكم اختيار فلا أقل من أن تعرفوا المرض مرضًا، وأن سجيتكم فسدت. وأن النفاق والحسد مرض في الروح من شأنه تحريف الحقيقة وتغييرها حتى تظنون الحلو مرًا والمرّ حلوًا والسوداء بيضاء والأبيض أسود فلا تتبعوه.. ثم زاد {فزادهم الله مرضًا} لتذليلهم، أي: إن كنتم تطلبون بهذا الدواء والتشفي من غيظكم وحسدكم فهذا داء لا يزيدكم إلا مرضا على مرض. فأنتم كمن كَسرَ احدٌ يدَه فأراد الانتقام فضرَبَه بتلك اليد المكسورة فازداد كسرًا على كسر.. ثم قال: {ولهم عذاب أليم} لتهديدهم، أي: أن تتحروا اللذة فما نفاقكم هذا إلا فيه ألم شديد عاجل ينتج ألمًا أشد آجلا، ليس كسائر المعاصي التي فيها نوع من اللذة السفلية العاجلة.. ثم أتمه بقول: {بما كانوا يكذبون} لتوسيمهم بأشنع الوسم، أي: أن لم تنتبهوا ولم تنتهوا لم يبق إلا أن تُشَهَّروا بين الناس بالكذب المانع للاعتماد لئلا يتعدى مرضكم.
أما وجه النظم بين أجزاء كل جملة:
ففي الأُولى: أعني جملة {يخادعون الله والذين آمنوا} هو:
أن في التعبير عن عملهم بالخداع مع المضارعية، لاسيما من باب المشاركة، خصوصًا مع اقامة لفظة {الله} مقام النبيّ وإقامة {الذين آمنوا} مقام المؤمنين تنصيصًا وتصريحًا بمحالية غرضهم من حيلتهم، وجعل المحالية نصب العين بصورة تتنفر عنها النفوس وترتعد، إذ فيما في الخداع من الاستعارة التمثيلية ما يوقظ النفرة.. وفيما في المضارعية من التصوير مع الاستمرار ما يَشْمَئِزّ منه القلب.. وفيما في المشاركة من المشاكلة نظِير {وجَزَاؤا سيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ما ينتج عدم انتاج حيلتهم؛ إذ في باب المشاركة فعل الفاعل سبب لفعل المفعول، وهنا فعل المفعول صار سببًا لعقم خداع الفاعل وعدم تأثيره، بل جعل الخداع صورة واهية كانعكاس المقصد فيما إذا استهزيتَ بأحدٍ لجهله، مع أنه مستبطنٌ علمًا ومستخفٍ استهزاءً بك.. وفيما في التصريح بلفظة {الله} من التنصيص على محالية الغرض- إذ خداع النبي عليه السلام ينجر إليه تعالى- ما يشيط العقلَ عن الحيلةِ.. وما في {الذين آمنوا} من جعل الصلة مدارًا، إشارة إلى أن المنافقين يتحببون اليهم بصفة الإيمان ويهيِّجون عرق إيمانهم للتحبب والتداخل فيهم.. وفيه إيماء أيضا إلى أن جماعة المؤمنين المنورين عقولهم بنور الإيمان لا تتستر عنهم الحيلة فينتج أيضا عقم حيلتهم.
وفي الثانية: أعني جملة {وما يخدعون إلا أنفسهم} هو: أن في هذا الحصر إشارة إلى كمال سفاهتهم بعكس العمل في معاملتهم كمن رمى حجرًا إلى جدار فانثنى لكسر رأسه؛ إذ رشوا النبال لضرر المؤمنين فأصيبت أنفسهم فكأنهم يخادعون بالذات ذواتهم.. وفي تبديل يضرون ب {يخدعون} إشارة إلى نهاية سفاهتهم، إذ يوجد في أهل العقل من يضر نفسه قصدًا ولا يوجد من يخادع نفسه عمدًا إلا أن يكون حمارًا في صورة انسان. وفي عنوان {أنفسهم} رمز خفي إلى أن نفاقهم وحيلتهم لما كان لحظّ نفسانيّ وغرض نفسيّ انتج نقيض مطلوبهم لنفسهم.
إن قلت: هذا الحصر يومئ إلى أن خداعهم ما ضر الإسلام والمسلمين مع أن الإسلام ما رأى من شيء ضررًا مثل ما رأى من أنواع النفاق وشعباته المنتشرة كالسّم في عناصر العالم الاسلاميّ؟
قيل لك: وما تراه من الضرر المتعدي والسمّ الساري إنما هو من طبيعتهم المتفسدة وفطرتهم المتفسخة ووجدانهم المتعفن نظير سراية المرض؛ وليس نتيجة حيلتهم وخداعهم باختيارهم إذ يريدون خداع الله والنبي وجماعة المؤمنين، والله عالم بكل شيء والنبي عليه السلام يوحى إليه، وجماعة المؤمنين لاتستطيع الحيلة أن تتستر عنهم مدة مديدة فهم لاينخدعون. فثبت أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم فقط.
وفي الثالثة: أعني جملة {وما يشعرون} أي لا يحسون، هو أن في هذه الفذلكة تجهيلا أيّ تجهيل لهم، لأنها تشعر بأنهم إن كانوا عقلاء فهذا ليس من شأن العقل، وإن كانوا حيوانات يتحركون بميل نفسانيّ فشأنهم أن يحسوا ويشعروا بمثل هذا الضرر المحسوس. فثبت أنهم صاروا مثل جمادات لا اختيار لها.
وفي الرابعة: أعني جملة {في قلوبهم مرض} هو: أن سوقها يفيد أنهم لما لم يعملوا بمقتضى المحاكمة العقلية والشعور الحسيّ ظهر أن في روحهم مرضًا فلا أقل من أن يعرفوا أنه مرض ليجتنبوا عن القضايا ولايحكموا عليها؛ إذ من شأن المرض تغيير الحقيقة وتشويه المزين وتحلية المرّ كما مر.. وفي لفظ في رمز إلى أن حسدهم وحقدهم مرض في ملكوت القلب وهي اللطيفة التي مر ذكرها.. وفي عنوان القلب إشارة إلى أنه كما أن جسم القلب إذا مرض اختل جميع أفعال البدن؛ كذلك إذا مرض معنى القلب بالخداع والنفاق انحرف كل أفعال الروح عن منهج الاستقامة إذ هو منبع الحياة ومَاكِنَتُها.. وفي تقديم {في قلوبهم} على {مرض} إيماء إلى الحصر بجهتين، ومن الايماء إشارة بطريق التعريض إلى أن الإيمان نور، شأنه أن يعطي لجميع أفعال الإنسان وآثاره صحة واستقامة.. وأيضًا في إيماء الحصر رمز إلى أن الفساد في الأساس فلا يجدي تعمير الفروعات.. وفي لفظ المرض رمز إلى قطع عذرهم وإلقامهم الحجر بأن الفطرة مهيأة للحقيقة. وما الفساد والخراب إلا مرض عارض.. وفي تنوين التنكير إشارة إلى أنه في مكمن عميق لا يرى حتى يداوى.
وفي الخامسة: أعني جملة {فزادهم الله مرضًا} هو:
انهم حينما لم يعرفوا أنه مرض حتى يتجنبوا منه بل طلبوه مستحسنين له زادهم الله تعالى؛ إذ مَن طلب وَجَد.. وفي الفاء التي هي للتعقيب السببي- مع أن وجود المرض ليس سببا لزيادته- رمزٌ إلى أنهم لما لم يشخصوا المرض فلم يتحروا وسائل الشفاء بل توسلوا بأسباب الزيادة كمن يضارب خصمًا غالبًا بيده العليلةصاروا كأنهم طلبوا الزيادة فزادهم الله مرضًا بقلبِ أملهم يأسًا مزعجا، بسبب ظفر المؤمنين، وقلب خصومتهم حقدًا محرقًا للقلب بسبب غلبة المؤمنين، فتولد من مرضَي اليأس والحقد داء الخوف وعلة الضعف ومرض الذلة فاستولت على القلب.
ثم إن الله تعالى لم يقل فزاد الله مرضهم بل جعل المفعول تمييزًا للإشارة إلى أن المرض الباطنيّ القلبيّ سرى إلى الظاهر أيضًا وتعدى إلى جميع الأفعال، فكأن هذا الداء الخبيث استولى على وجودهم فكأن وجودهم نفس الداء فزيادة جراحات المرض ونفطاته زيادة لنفس ذواتهم؛ إذ اِشْتَعَلَ الْبَيْتُ نارًا يفيد أن النار سرت إلى تمام البيت حتى كأن تمام الْبَيْت نار تلتهب بخلاف اِشْتَعَلتَ نَارُ الْبَيْتِ فإنه يصدق بتلهب النار من أيّ جانب كان.
وفي السادسة: أعني جملة {ولهم عذاب اليم} هو أن اللام التي هي للنفع، إشارة إلى أنه لو كان لهم منفعة لكانت البتة ألمًا معذبًا دنيويًا، أو عذابًا اخرويًا مؤلمًا، وكونه منفعة من المحال، فمحال لهم المنفعة.. وفي وصف العذاب بالأليم أي المتألم، مع أن الأليم هو الشخص رمز إلى أن العذاب استولى على وجودهم وأحاط بذواتهم ونفذ في بواطنهم بحيث تحولوا بنفس العذاب، وصار العذاب عين ذواتهم، كانقلاب الفحم جمرة نار بنفوذ النار. فإذا نظر الخيال إلى صورة العذاب واستمع من جوانبه أنينًا وتألمًا وعويلًا تتولد من الحياة المتجددة تحت العذاب يتخيل أن العذاب هو الذي يئنّ ويتألم. فما أشد التهديد لمن تأمل!
وفي السابعة: أعني جملة {بما كانوا يكذبون} هو أن في تعليق العذاب من بين جناياتهم المذكورة بالكذب فقط إشارة إلى شدة شناعة الكذب وقبحه وسماجته. وهذه الإشارة شاهد صدق على شدة تأثير سمّ الكذب؛ إذ الكذب أساس الكفر، بل الكفر كذب ورأس الكذب، وهو الأُولى من علامات النفاق. وما الكذب إلا افتراء على القدرة الالهية، وضد للحكمة الربانية.. وهو الذي خرّب الأخلاق العالية.. وهو الذي صيّر التشبثات العظيمة كالشبحات المنتنة.. وبه انتشر السمّ في الاسلام.. وبه اختلت احوال نوع البشر.. وهو الذي قيّد العالم الإنساني عن كمالاته، واوقفه عن ترقياته.. وبه وقع أمثال مسيلمة الكذاب في أسفل سافلي الخسة.. وهو الحمل الثقيل على ظهر الإنسان فيعوقه عن مقصوده.. وهو الاب للرياء والأم للتصنع.. فلهذه الأسباب اُختص بالتلعين والتهديد والنعي النازل من فوق العرش.
فيا أيّها الناس! لاسيما أَيّها المسلمون! إن هذه الآية تدعوكم إلى الدّقة!
فإن قلتم: إن الكذب للمصلحة عفو؟
قيل لكم: إذا كانت المصلحة ضروريةً قطعية، مع أنه عذر باطل؛ إذ تقرر في اصول الشريعة: أن الأمر الغير المضبوط أي الذي لايتحصل بسبب كونه قابلا لسوء الاستعمال لا يصير علة ومدارًا للحكم، كما أن المشقة لعدم انضباطها ما صارت علة للقصر، بل العلةُ السفر. ولئن سلّمنا فغلبة الضرر على منفعة شيء تفتى بنَسخه وتكون المصلحةُ في عدمه. وما ترى من الهَرْج والمَرج في حال العالم شاهد على غلبة ضرر عذر المصلحة. إلا أن التعريض والكناية ليسا من الكذب. فالسبيل مَثْنَى: إما السكوت؛ إذ لا يلزم من لزومِ صدقِ كلِّ قولٍ قولُ كلِّ صدق. وإما الصدق؛ إذ الصدق هو أساس الإسلامية، وهو خاصة الإيمان، بل الإيمان صدق ورأسه.. وهو الرابط لكل الكمالات.. وهو الحياة للأخلاق العالية.. وهو العرق الرابط للأشياء بالحقيقة.. وهو تجلّي الحق في اللسان.. وهو محور ترقي الإنسان.. وهو نظام العالم الاسلامي.. وهو الذي يُسرع بنوع البشر في طريق الترقي- كالبرق- إلى كعبة الكمالات.. وهو الذي يصيّر اخمد الناس وافقره أعزّ من السلاطين.. وبه تفوّق أصحابُ النبيّ عليه الصلاة والسلام على جميع الناس.. وبه ارتفع سَيّدنا محمد الهاشميّ عليه الصلاة والسلام إلى أعلى عليي مراتب البشر. اهـ.

.بحوث مهمة:

قال في الأمثل:

.1- ظهور النّفاق وأسبابه:

حينما تندلع الثورة في منطقة معينة فإنّ مصالح الفئة الظالمة الناهبة المستبدة تتعرض للخطر حتمًا، خاصة إذا كانت الثورة مثل ثورة الإسلام تقوم على أساس الحقّ والعدالة. هذه الفئة تسعى للإطاحة بالثورة عن طريق يالسخريّة والإستهزاء أوّ، ثُمّ بالإستفادة من القوة المسلحة والضغوط الاقتصادية، والتضليل الاجتماعي.
وحين تبدو في الأُفق علامات انتصار الثورة تعمد فئة من المعارضين إلى تغيير موقفها، فتستسلم ظاهريًا، وتتحول في الواقع إلى مجموعة معارضة سريّة.
هؤلاء يسمّون منافقين لإنطوائهم على شخصيتين مختلفتين المنافق مشتقة من النفق: وهو الطريق النافذ في الأرض المحفور فيها للإستتار أو الفرار، وهم أخطر أعداء الثورة، لأن مواقفهم غير واضحة، والاُمّة الثائرة لا تستطيع أن تعرفهم وتطردهم من صفوفها، لذلك يتغلغلون في صفوف النّاس المخلصين الطيبين، ويتسلمون أحيانًا المناصب الحساسة في المجتمع.
ثورة الإسلام في عصرها الأوّل واجهت مثل هذه المجموعة. فبعد الهجرة المباركة وضعت أول لبنة للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وازداد الكيان الإسلامي الوليد قوة بعد إنتصار المسلمين في غزوة بدر. وهذه الإنتصارات عرضت للخطر مصالح زعماء المدينة، وخاصة اليهود منهم، لأن اليهود كانوا يتمتعون في المدينة بمكانة ثقافية واقتصادية مرموقة. وهؤلاء أنفسهم كانوا يبشّرون قبل البعثة النّبوية المباركة بظهور النّبي.
كما كان في المدينة أفراد مرشحون للزعامة والملكية، لكن الهجرة النّبوية بدّدت آمال هؤلاء المتضررون من الدعوة رأوا أن الجماهير تندفع نحو الإسلام، وتنقاد إلى النّبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم حتى عمّت الدعوة ذويهم وأقاربهم.
وبعد مدّة من الدين الجديد، لم يروا بدًّا من الإستسلام والتظاهر بالإِسلام، تجنبًا لمزيد من الأخطار الاقتصادية والإجتماعية وحذرًا من الإبادة، خاصة وأن قوّة العربي تتمثل في قبيلته، والقبائل أسلمت للدين الجديد لكن هؤلاء راحوا يخططون خفية للإطاحة بالإسلام.
بعبارة موجزة، إن ظاهرة النفاق في المجتمع، تعود إلى عاملين:
أحدهما، إنتصار الثورة وسيطرة الرسالة الثورية على المجتمع.
والآخر: انهزام المعارضين نفسيًا، وفقدانهم للشجاعة الكافية لمواجهة المدّ الجديد، واضطرارهم إلى الإستسلام الظاهري أمام الدعوة.